الخميس، 9 يوليو 2015

وتمضي الأيام...

تمضي بنا الأيام إلى المستقبل المجهول الذي لا يعلمه سوى القدر، المستقبل الذي لطالما حلمنا به وخططنا له، المستقبل الذي وضعنا به جميع آمالنا وأحلامنا ورسمنا له أجمل الصور. تمضي بنا وتمضي معها أعمارنا، طفولتنا و شبابنا التي تتساقط كتساقط أوراق الأشجار. تمضي مسجلة أجمل لحظات العمر في ذاكرة الزمن وتظل عالقة في أذهاننا لا تمحوها الأيام.

تُعيدني الذاكرة إلى الوراء كثيرًا عندما كنت أستيقظ باكرًا وأرى أخوتي وهم يستعدون للذهاب إلى مدارسهم، وأتذمر لأنني ما زلت صغيرة ولا أستطيع الذهاب إلى هذا الصرح العظيم (كما كان يُخَيل لي)، كنت أقدِّس المدرسة بالرغم من أنني لا أعلم حقيقتها لكنني كنت أحبها أحبها كثيرًا.
الخيال هو عالمي الوحيد الذي كان يُسعِفُني دائما، كنت أفعل ما يفعله أخوتي كل صباح، أجهز حقيبتي وكتبي على أمل الذهاب إلى المدرسة معهم لكن المشهد كان يتكرر كل يوم وأعود إلى غرفة أمي بأعذاري اليومية تارة أقول لها بأنني مريضة ولا أستطيع الذهاب للمدرسة وتارة أخرى أتحجج بأنني لم أكمل واجباتي المدرسية. في الواقع أن أحاديثي كان مقتبسة من أحاديث أخوتي لكنني كنت أجد المتعة في تكرار نفس الموقف كل يوم. 

لأنني خلقت صورة جميلة للمدرسة قبل أن التحق بها لم أبكي في أول يوم لي بالمدرسة على العكس تماما أمسكت ب ابنة عمي التي كانت تكبرني بثلاث أعوام وبدأنا رحلة الإكتشاف بالمدرسة.
جميلة جدًا تلك المرحلة من العُمر بسيطة بكل معانيها بريئة ونقية كنقاء الماء. الحكمة الأولى التي تعلمتها من المدرسة كانت " لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد " سمعتها يومًا في طابور الصباح فأصبحت الأساس الذي أسير عليه دائما. هذه الحكمة علمتني أن المثابرة والكفاح هما عِماد كل شي فما تزرعه اليوم ستحصده لاحقًا. 
في حقيقة الأمر أن الحياة ليست بهذه السهولة فقد تعصف بك رياح الصعاب واليأس وكما يُقال " تجري الرياحُ بما لا تشتهي السفنُ" لكن أن تنشأ على حب الحياة خيرا لك من أن تدفن نفسك في دوامة اليأس. غالبًا ما يُقال أن البدايات هي الأساس، فعندما تتعلم مُنذ صغرك حب الحياة، حب الأمل، حب الكفاح، حب كل شي من شأنه أن يرتقي بك ويطورك ستكون الصعاب والتحديات حاجزًا مؤقتًا وستسعى جاهدًا أن تتجاوزها وأن تُعيد المياة إلى مجاريها.
نعم نحن لا نعيش في العالم الوردي ولا المدينة الفاضلة، نتمنى شيئا ونجد شيئا آخر بالرغم من سعينا لتحقيقه ولكن الأهم من ذلك هو بصيص الأمل وشمس التفاؤل التي تمدنا بين الحين والآخر بالقوة والإرادة لذلك قال محمود درويش " سأَصير يوماً ما أُريدُ ".

أن تمضي الأيام يعني أنك كبرت دون أن تشعر وهذا شيء مؤسف، لكن الجميل في الأمر أن تنظر إلى أي مكان وصلت؟ وإلى أي مدى أنت راضٍ عن حاضرك؟ وإلى أي مكان تريد الوصول؟ 
في صغري كنت دائما ما أقول لأمي: " عندما أكبر من سيلعب مع أصدقائي؟ ". أقولها وكأنني أنا الوحيدة التي سأكبر بينهم، فكرة أن أكبر كانت تعجبني وتخيفني بذات الوقت. أن تصبح شخصا مستقلا له قراراته هذا أمر رائع ولكن أن تكون مسؤولاً عن كل تصرفاتك أمر مرعب ف أنت محاسب على كل الأخطاء و لم تعد ذلك الطفل الذي يخطئ ولا يبالي بشيء.

لكننا كبرنا جميعاً يا أمي فأصبح منا المعلم، والمهندس والتاجر. كبرنا واختلفت أحلامنا وتوجهاتنا، كبرنا وأصبحنا نتذكر أول يوم بالمدرسة وآخر يوم بالجامعة. تجمعنا الذكريات وتفرقنا الأزمنة، جميلات هن صديقات الطفولة، صديقات المدرسة وصديقات الجامعة، بالمختصر جميلات هن رفيقات الدرب. مشاغباتنا، ضحكتنا ومغامراتنا، جمعنا بين الجد واللعب عشنا لحظات لا تُنسى وأيام رُبما لن تتكرر. أذكر كلام صديقة لي في آخر عام لنا بالمدرسة كانت تقول بأن هذه هي أصعب مرحلة قد نمر بها طوال حياتنا وكنت أوافقها الرأي. 
في الواقع أنها كانت بداية الغيث فالجامعة كانت كفيلة بأن تعلمنا أن صعوبات الحياة لم تبدأ بعد. علمتني الجامعة أن لا مكان للكسل ولا مكان لليأس. إن كنت تريد البقاء فقط عليك بالصبر والسعي جاهدًا لترضي نفسك وتشعر بقيمة ما انجزته. علمتني الجامعة أن المعرفة كنز لا ينبض وأن بحر العلم واسع فلا ترضى بالقليل بل اسعِ إلى ما هو أكثر من ذلك. 

وصلنا لنهاية البداية تخرجنا بنجاح والحمد لله. لكن العطاء لا يقف هنا فـ أبواب المعرفة مُشرعة لمن يقرعُها والمستقبل الذي طالما شددنا به الأزر لا يزال يُنادينا وكأنه يقول بأني عزاءكم الوحيد فما لم تحققوه سابقا لا يزال هنالك مُتسعٌ من الوقت لتحقيقه. 

الأيام تمضي بلا توقف ويمضي معها شبابنا فلم لا نقرعُ جرس الحاضر ونستيقظ على أنفسنا ونخرج من دنيا أحلامنا ولنبصر الواقع الذي تربع أمام أعيننا وننصت للحقيقة التي أنكرنا ونحدد موقعنا من قبل أن يُعيينا اليأس ويقتلنا الندم.نفتح نافذة أمل جديدة ليوم جديد ولــ نمضي مع الأيام بأفراحها وأطراحها مسجلين في سجل حياتنا ذكرى جديدة مختلفة عن سابقاتها فــ كلنا يريد ولكن يبقى القدر هو المسيطر الوحيد. انها الحياة سفينة تحتاج إلى قبطان ماهر إن وجدناه في أنفسنا استطعنا أن نغير من أقدارنا فقد قال الأديب غسان كنفاني " لك شيء في هذا العالم..فقم!".

وهكــذ تمضـي الأيـــام ...

أميمة اليعقوبي
Twitter: @OM_Alyaqoobi